elshaml
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
elshaml

رياضة اسلاميات خدمات المحمول


أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

سلسلة تفسير جزء تبارك

3 مشترك

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

سوزان سوزان


عضو ذهبى
عضو ذهبى

الحمدلله وصلى الله وسلم على رسول الله وبعد:
روى أبو داود والترمذي وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سورةٌ في القرءان ثلاثون ءاية شَفعتْ لصاحبها حتى غُفِرَ له {تباركَ الذي بيدِهِ المُلك}.وروى الترمذي عن ابن عباس أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ضرب خِباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر فسمع من القبر قراءة {تبارك الذي بيده الملك} فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر له ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: "هي المانعةُ، هي المنجية تنجيه من عذاب القبر" وحسّنه الترمذي والسيوطي .

{تباركَ} أي تبارك الله أي دام فضلهُ وبره وتعالى وتعاظم عن صفات المخلوقين {الذي بيدهِ} أي بتصرفه، فاليد هنا كنابة عن الإحاطة والقهر قال ابن عباس: يعني السلطان، يُعِزُّ ويُذِلُّ {المُلكُ} أي ملك السموات والأرض وما فيهما وما بينهما، جميع الخلائق مقهورون بقدرته، يفعل في ملكه ما يريد ويحكم في خلقه بما يشاء يُعِزُّ من يشاء ويُذِلُّ من يشاء، وكل شيء إليه فقير وكل أمر عليه يسير {وهوَ} أي الله {على كُلِّ شيءقديرٌ} فلا يمنعه من فعله مانع ولا يحول بينه وبينه عجز، ولا دافع لِما قضى ولا مانع لما أعطى.

{الذي خلقَ الموتَ والحياةَ} أي الله الذي خلق الموت والحياة فأمات من شاء وأحيا من شاء إلى أجل معلوم، وجعل الدنيا دار حياة ودار فناء وجعل الآخرة دار جزاء وبقاء {ليَبْلُوَكُم} أي ليمتحنكم بأمره ونهيه فيُظهر منكم ما علم أنه يكون منكم فيجازيكم على عملكم {أيُّكُم} أيها الناس {أحسنُ عملاً} أي أطوع وإلى طلب رضاه أسرع، {وهوَ العزيزُ} الغالب القوي الشديد انتقامه ممن عصاه وخالف أمره {الغفورُ} لمن تاب من ذنوبه.

{الذي خلقَ} أي أوجد وأبرز من العدم إلى الوجود {سَبْعَ سمواتٍ طِباقًا} أي سبع سموات فوق بعض كما ثبت في حديث الإسراء الذي أخرجه البخاري ومسلم {ما ترى} يا ابن ءادم {في خَلْقِ الرَّحمنِ} العزيز الحكيم {مِن تفاوتٍ} قال البخاري: "التفاوت: الاختلاف، والتفاوت والتفوت واحد"، وحقيقة التفاوت عدم التناسب كأنّ بعض الشيء يفوت بعضًا ولا يلائمه، والمعنى: ما ترى يا ابن ءادم في شيء مما خلق الله عز وجل من اعوجاج ولا تناقض ولا عيب ولا خطإ، وليس المراد أن المخلوقات لا يختلف بعضها عن بعض من حيث الشكل والصفة فالاختلاف هنا المراد به ما يناقض الحكمة بالنسبة للخالق، والله عز وجل حكيم لا يجوز عليه العبث والسّفه.
والله تعالى اعلم واحكم
وللموضوع تتمة ان شاء الله

سوزان سوزان


عضو ذهبى
عضو ذهبى

ثم أمر سبحانه وتعالى بأن ينظروا في خلقه ليتعبروا به فيتفكروا في قدرته فقال: {فارْجِعِ البَصرَ} أي كرر النظر إلى السماء وتأملها {هل ترى} فيها يا ابن ءادم {من فطورٍ} أي من شقوق وصدوع أو عيب أو خلل، والفطور: الشقوق.

{ثُمَّ ارجِعِ البصرَ كرَّتَيْنِ} مرة بعد مرة، وإنما أمر بالنظر مرتين لأن الإنسان إذا نظر في الشيء مرة قد لا يرى عيبه ما لم ينظر إليه مرة أخرى، فأخبر تعالى أنه وإن نظر في السماء مرتين لا يرى فيها عيبًا ولا خللاً، وجواب الأمر {يَنْقلِبْ} أي يرجع {إليكَ البصرُ خاسِئًا} أي صاغرًا ذليلاً متباعدًا عن أن يرى عيبًا أو خللاً، {وهوَ حسيرٌ} أي كليل منقطع قد بلغ الغاية في الإعياء لم ير خللاً ولا تفاوتًا.



{ولقدْ زيَّنَّا السماءَ الدُنيا} وهي السماء القريبة من الأرض والتي نشاهدها ويراها الناس {بِمصابيحَ} أي بنجوم لها نور {وجعلنا} أي جعلنا منها {رُجُومًا للشياطينِ} أي يُرجم الشياطين المسترقون للسمع بشُهب تنفصل عن هذه النجوم {وأعتدنا لهُم} أي هيأنا للشياطين في الآخرة {عذابَ السَّعير} أي النار الموقدة بعد الإحراق بالشهب في الدنيا.


{وللذينَ كفروا بربِّهم} وأعتدنا للذين كفروا بالله من إنس وجن {عذابَ جهنَّمَ} وهي نار عظيمة جدًا، وقد جاء في الحديث الذي رواه الترمذي أنها أوقِدَ عليها ألف سنة حتى احمرت وألف سنة حتى ابيضّت وألف سنة حتى اسودّت فهي سوداء مظلمة {وبئسَ} وهي كلمة ذم {المصير} أي المرجع أي بئس المآل والمنقلَب الذي ينتظرهم وهو عذاب جهنم، أجارنا الله منها.


{إذا أُلقُوا فيها} يعني إذا ألقي الكفار في جهنم وطُرحوا فيها كما يطرح الحطب في النار العظيمة {سَمِعوا لها} يعني لجهنم {شهيقًا} والشهيق: الصوت الذي يخرج من الجوف بشدة، والمراد أنهم سمعوا صوتًا منكرًا كصوت الحمار، تصوّت مثل ذلك لشدة وقدها وغليانها {وهيَ تفورُ} أي تغلي بهم كغلي المِرْجَلِ.


والله تعالى اعلم واحكم
وللموضوع تتمة ان شاء الله

الزعيم

الزعيم
Admin

مشكورة

https://ahlakora.ahlamontada.com

سوزان سوزان


عضو ذهبى
عضو ذهبى

الزعيم
اهلا ومرحبا بمرورك

سوزان سوزان


عضو ذهبى
عضو ذهبى

{تكادُ} جهنم {تميَّزُ} يعني تتقطع وتتفرق، {مِنَ الغَيظِ} على الكفار، فجعلت كالمغتاظة عليهم استعارة لشدة غليانها بهم {كُلَّما أُلقِيَ فيها فوجٌ} أي فرق وجماعة من الكفار {سألهُم خَزنتُها} وهم مالك وأعوانه، وسؤالهم على جهة التوبيخ والتقريع وهو مما يزيدهم عذابًا إلى عذابهم {ألمْ يأتِكُم نذيرٌ} أي رسول في الدنيا ينذركم هذا العذاب الذي أنتم فيه.
{قالوا بلى قدْ جاءنا نذيرٌ} أنذرنا وخوَّفنا، كما في قوله تعالى: {وقالَ لهُم خَزَنتُها ألَم يأتِكُم رُسُلٌ منكُم يَتلونَ ءاياتِ ربِّكم ويُنذِرُونَكُم لقاءَ يومكم هذا قالوا بلى ولكنْ حقَّتْ كلمةُ العذابِ على الكافرين} [سورة الزمر]، فاعترف الكفار بأن الله عز وجل أرسل إليهم رسلاً ينذرونهم لقاء يومهم هذا واعترفوا أيضًا بأنهم كذبوهم كما قال الله تعالى إخبارًا عنهم: {فكذَّبنا وقُلنا} أي قالوا للرسول المرسل إليهم {ما نزَّلَ اللهُ} عليك {مِن شيءٍ} مما تقول من وعد ووعيد وغير ذلك {إنْ أنتُم إلا في ضلالٍ كبيرٍ} وفيه وجهان، قال أبو حيان في تفسيره "البحر المحيط" ما نصه [3]: "الظاهر أن قوله: {إنْ انتُم إلا في ضلالٍ كبيرٍ} من قول الكفار للرسل الذين جاءوا نُذرًا إليهم، أنكروا أوَّلاً أن الله نزّل شيئًا واستجهلوا ثانيًا من أخبر بأنه تعالى أرسل إليهم الرسل وأن قائل ذلك في حيرة عظيمة، ويجوز أن يكون من قول الخزنة للكفار إخبارًا لهم وتقريعًا بما كانوا عليه في الدنيا، وأرادوا بالضلال الهلاك الذي هم فيه، أو سَمّوا عقاب الضلال ضلالاً لما كان ناشئًا عن الضلال"{وقالوا} أي وقال الكفار أيضًا وهم في النار لخزنة جهنم {لوْ كُنَّا} في الدنيا {نسمعُ} من النذر أي الرسل ما جاءوا به من الحق سماع طالب للحق {أو نعقِلُ} عقل متأمل ومفكّر بما جاء به الرسل {ما كُنَّا في أصحابِ السَّعير} يعني ما كنا من أهل النار ولن نستوجب الخلود فيها.
{فاعْتَرفوا بذنبهم} أي بكفرهم في تكذيبهم الرسل وهذا الاعتراف لا ينفعهم ولا يخلصهم من عذاب الله {فسُحقًا} أي فبُعدًا، {لأصحابِ السَّعيرِ} وهم أهل النار من رحمة الله، وهو دعاء عليهم.
والله تعالى اعلم واحكم
وللموضوع تتمة ان شاء الله

سوزان سوزان


عضو ذهبى
عضو ذهبى

واعلم أنه تعالى لما ذكر وعيد الكفار أتبعه بوعد المؤمنين فقال: {إنَّ الذينَ يَخْشَوْنَ ربَّهُم} أي يخافونه {بالغيبِ} أي الذي أخبروا به من أمر المعاد وأحواله، أو يخافونه وهم في غيبتهم عن أعين الناس في خلواتهم فآمنوا به وأطاعوه سرًا كما أطاعوه علانية {لهُم مغفرةٌ} أي عفو من الله عن ذنوبهم {وأجرٌ كبيرٌ} وهو الجنة.

{وأسِرُّوا} أي اخفوا أيها الناس {قولَكُم أوِ اجهَروا بهِ} أي أعلنوه وأظهروه، واللفظ لفظ الأمر والمراد به الخبر يعني إن أخفيتم كلامكم أو جهرتم به فـ{إنَّهُ} تعالى {عليمٌ بِذاتِ الصُّدورِ} يعني بما في القلوب من الخير والشر فكيف بما نطقتم به، والآية فيها بيان استواء الأمرين أي الإسرار والجهر في علم الله تعالى.


قال ابن الجوزي: "قال ابن عباس: نزلت في المشركين كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره جبريل بما قالوا، فيقول بعضهم: أسروا قولكم حتى لا يسمع إله محمد" ا.هـ.

{ألا يعلمُ} الخالق جلّ ثناؤه {مَنْ خلقَ} وهو الذي أحاط بخفيات الأمور وجلياتها وعلم ما ظهر من خلقه وما بطن، أو ألا يعلم الخالق سركم وجهركم وهو استفهام معناه الإنكار أي كيف لا يعلم مَن خلق الأشياء وأوجدها من العدم الصرف {وهُوَ اللطيفُ} المحسن إلى عباده في خفاء وسترٍ ومن حيث لا يحتسبون {الخبيرُ} أي المطّلع على حقيقة الأشياء فلا تخفى على الله خافية.

{هوَ الذي جعلَ لكُمُ الأرضَ ذلولاً} أي الله هو الذي جعل لكم أيها الناس الأرض سهلة تستقرون عليها ويمكن المشي فيها والحفر للآبار وشق العيون والأنهار فيها وبناء الأبنية وزرع الحبوب وغرس الأشجار فيها ونحو ذلك ولو كانت صخرة صلبة لما تيسر شيء منها {فامْشوا في مَناكِبِها} أي طرقاتها، وقيل جبالها، وقيل جوانبها، قال البخاري: "مناكبها: جوانبها"، والمعنى: هو الذي سهل لكم السلوك في جبالها وهو أبلغ في التذليل {وكُلوا من رِزقِهِ} مما أحله الله لكم {وإليهِ النُّشورُ} أي المرجع يوم القيامة، فتُبعثون من قبوركم للحساب والجزاء.

والله تعالى اعلم واحكم
وللموضوع تتمة ان شاء الله

سوزان سوزان


عضو ذهبى
عضو ذهبى

{ءأمِنْتُم} أي أتأمنون، {مَّن في السَّماءِ} أي المَلَك الموكَّل بالعذاب وهو جبريل {أن يَخْسِفَ بكُمُ الأرضَ} وهو ذهابها سُفلاً كما خُسفت بقارون، وكما خسف جبريل بمدن قوم لوط {فإذا هيَ تَمُورُ} تتحرك بأهلها، والمعنى أن الله تعالى يحرك الأرض بقدرته عند الخسف بهم حتى يقلبهم إلى أسفل وتعلو الأرض عليهم وتمور فوقهم أي تذهب وتجيء.
فائدة مهمة: ذكر أهل التفسير عند بيان معنى هذه الآية أن الله تعالى لا يوصف بالمكان ولا يتحيز في جهة لأن ذلك من صفات الأجسام والله ليس جسمًا
وقد قال الحافظ العراقي في أماليه في تفسير حديث: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء": "واستُدلَّ بهذه الرواية: "أهل السماء" على أن المراد بقوله "من في السماء": الملائكة" ا.هـ.

{أمْ أمِنتُم مَّن في السَّماءِ أن يُرسِلَ عليكُم حاصِبًا} أي ريحًا ذات حجارة من السماء كما أرسلها على قوم لوط وأصحاب الفيل {فَسَتعلمونَ} أيها الكفرة {كيفَ نذيرِ} أي كيف عاقبة نذيري لكم إذ كذبتم به ورددتموه على رسولي، والمعنى: وإذا عاينتم العذاب فستعلمون أن إنذاري بالعذاب حق حين لا ينفعكم العلم.
{ولقَدْ كَذَّبَ} أي المشركون {الذينَ مِن قبلِهِم} أي من قبل كفار مكة وهم الأمم الخالية كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مَدْيَن وقوم فرعون، فإنهم كذبوا ما جاءت به الرسل {فكيفَ كانَ نكيرِ} أي إنكاري عليهم أليس وجدوا العذاب حقًا؟ بلى.
ولمّا حذرهم ما يمكن إحلاله بهم من الخسف وإرسال الحاصب نبّههم على الاعتبار بالطير وما أحكم من خلقها فقال عز وجل: {أوَلَمْ يرَوا} المشركون {إلى الطيرِ} جمع طائر تطير {فوقهم} في الهواء {صافَّاتٍ} أي باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها {ويَقْبِضنَ} أي يضممن الأجنحة إلى جوانبهن، قال البخاري: "يضربن بأجنحتهن، وقال مجاهد: صافاتٍ بَسْطُ أجنحتهن" {ما يُمسِكُهُنَّ} عن الوقوع مع ثقلها وضخامة أجسامها {إلا الرحمنُ} سبحانه وتعالى، والمعنى: لم يكن بقاؤها في جو الهواء إلا بقدرة الله وحفظه {إنَّهُ} تعالى {بِكُلِّ شيءٍ بصيرٌ} أي عالم بالأشياء ولا تخفى عليه خافية.
أمَّنْ} أي من {هذا الذي هُوَ جُنْدٌ} أي أعوان {لكُم} أيها الكافرون {يَنْصُرُكُم} يمنع ويدفع عنكم العذاب إذا نزل بكم، والمعنى لا ناصر لكم، {مِّن دونِ الرَّحمنِ} أي سوى الرحمن، فقوله تعالى: {أمَّن هذا الذي} هو استفهام إنكاري أي لا جند لكم يدفع عنكم عذاب الله.
{إنِ الكافرونَ} أي ما الكافرون بالله {إلا في غُرُورٍ} من الشياطين تغرُّهم بأن لا عذاب ولا حساب، أو المعنى: ما الكافرون بالله إلا في غرور من ظنهم أنّ ما يعبدونه من دون الله يقربهم إلى الله زُلفى وأنها تنفع أو تضر.

{أمَّنْ} أي من {هذا الذي يرزُقُكم} أي يطعمكم ويسقيكم ويأتي بأقواتكم وينزل عليهم المطر {إنْ أمسَكَ رزقهُ} أي قطع عنكم رزقه، والمعنى: لا أحد يرزقكم إن حبس الله عنكم أسباب الرزق كالمطر والنبات وغيرهما {بل لجُّوا} أي تمادوا وأصروا مع وضوح الحق {في عُتُوٍّ} أي تكبر وعناد {ونُفُورٍ} أي تباعد عن الحق وإعراض عنه.

ثم ضرب الله مثلاً للمؤمن والكافر فقال: {أفَمَن يمشي مُكِبًّا على وجهِهِ} أي منكسًا رأسه لا ينظر أمامه ولا يمينه ولا شماله فهو لا يأمن من العثار والانكباب على وجهه ولا يدري أين يذهب، وهذا هو الكافر أكب على الكفر والمعاصي في الدنيا فحشره الله على وجهه يوم القيامة، أهذا {أهدى} أي أشد وأرشد استقامة على الطريق وأهدى له {أمَّن} أي أم من {يمشي سَوِيًّا} معتدلاً ناظرًا ما بين يديه وعن يمينه وعن شماله يبصر الطريق {على صِراطٍ} أي طريق {مُستقيمٍ} أي مستو لا اعوجاج فيه. وقد شبّه الله تعالى المؤمن في تمسكه بالدين الحق ومشيه على منهاجه بمن يمشي في الطريق المعتدل الذي ليس فيه ما يتعثر به، وشبّه الكافر في ركوبه ومشيه على الدين الباطل بمن يمشي في الطريق الذي فيه حفر وارتفاع وانخفاض فيتعثر ويسقط على وجهه كلّما تخلص من عثرة وقع في أخرى.
والله تعالى اعلم واحكم
وللموضوع تتمة ان شاء الله

سوزان سوزان


عضو ذهبى
عضو ذهبى

{قُلْ} يا محمد للمشركين {هُوَ الذي أنْشَأَكُم} أي الله الذي خلقكم {وجعلَ لكُم السَّمْعَ} تسمعون به {والأبصارَ} تُبصرون بها {والأفئدةَ} أي القلوب تعقلون بها {قليلاً ما تشكرون} أي قليلاً ما تشكرون الله على هذه النعم التي أنعمها عليكم، وشكر نعمة الله هو أن يصرف تلك النعمة إلى وجه رضاه وأنتم لمّا صرفتم السمع والبصر والعقل لا إلى طلب مرضاة الله فانتم ما شكرتم نعمته البتة.

{قُلْ} يا محمد: الله {هُوَ الذي ذَرَأكُم} أي بثكم وفرّقكم {في الأرضِ وإليهِ تُحشَرون} أي تبعثون يوم القيامة فتُجمعون من قبوركم للحساب والجزاء، والمعنى أن القادر على خلقكم من العدم قادر على إعادتكم وفي ذلك ردّ على منكري البعث والحشر.

{ويقولونَ} أي المشركون المنكرون للبعث {متى هذا الوعدُ} أي متى يوم القيامة ومتى هذا العذاب الذي تعدننا به {إنْ كُنتُم صادقينَ} في وعدكم إيانا ما تعدوننا، وهذا استهزاء منهم، فاجابهم الله عن ذلك بقوله:

{قُلْ} أي يا محمد {إنَّما العلمُ} بوقت قيام الساعة {عندَ اللهِ} لا يعلم ذلك غيره {وإنَّما أناْ نذيرٌ} لكم أنذركم عذاب الله على كفركم به {مُبينٌ} أي أبين لكم الشرائع.

{فلمَّا رَأَوْهُ} أي فلما رأى هؤلاء المشركون العذاب الموعود به في الآخرة {زُلفةً} أي قريبُا منهم {سِيئَتْ وجوهُ الذينَ كفروا} ظهر فيها السوء والكآبة وغشيها السواد كمن يُساق إلى القتل {وقيلَ} أي تقول لهم الزبانية ومن يوبخهم {هذا} العذاب {الذي كُنتم بهِ تُوعدونَ} أي تفتعلون من الدعاء أي تمنَّون وتسألون تعجيله وتقولون ائتنا بما تعدنا، أو هو من الدعوى أي كنتم بسببه تدّعون أنكم لا تبعثون إذا متم.

قُل} أي قل يا محمد للمشركين من قومك الذين كانوا يتمنون موتك {أرَءَيتُم إنْ أهْلَكَنيَ اللهُ} أي أماتني كما تريدون، {ومَن مَّعيَ} من المؤمنين، {أوْ رَحِمَنا} فأبقانا وأخّر في ءاجالنا فلم يعذبنا بعذابه {فمَن يُجيرُ الكافرينَ مِن عذابٍ أليمٍ} أي من يحميكم ويمنع عنكم العذاب الموجع المؤلم الذي سببه كفركم، والمعنى: لا، ليس ينجي الكفار من عذاب الله موتُنا وحياتُنا فلا حاجة بكم إلى أن تستعجلوا قيامَ الساعة ونزول العذاب فإن ذلك غيرُ نافعكم بل ذلك بلاء عليكم عظيم.

{قُلْ} يا محمد {هُوَ الرَّحمنُ} أي الذي نعبده ونوحده وأدعوكم إلى عبادته {ءامَنَّا بهِ} أي صدقنا به ولم نشرك به شيئًا {وعليهِ توكَّلنا} أي وعليه اعتمدنا في أمورنا وأن الضار والنافع على الحقيقة هو الله.{فَسَتَعْلَمونَ} أيها المشركون بالله إذا نزل بكم العذاب وعاينتموه،
{مَن هُوَ في ضلالٍ} أي من هو بعيد عن الحق وعلى غير طريق مستقيم نحن أم أنتم {مُبينٍ} أي بيّن.

{قُلْ} يا محمد لهؤلاء المشركين {أرَءَيْتُم} أيها القوم أي أخبروني يا معشر قريش {إنْ أصبحَ ماؤُكُمْ غَوْرًا} أي غائرًا ذاهبًا في الأرض إلى أسفل لا تناله الأيدي ولا الدّلاء وهو جمع دلو {فمَنْ} أي الذي {يأتيكُم بماءٍ مَّعين} أي بماء طاهر تراه العيون، أو جارٍ يصل إليه من أراده، أي لا يأتيكم به إلا الله فكيف تنكرون أن يبعثكم.

والله تعالى اعلم واحكم

سوزان سوزان


عضو ذهبى
عضو ذهبى

سورة القلم
مكية، وهي اثنتان وخمسون ءاية

بسم الله الرحمن الرحيم
مناسبة هذه السورة لما قبلها أنه فيما قبلها ذكر الله أشياء من أحوال السعداء والأشقياء، وذكر قدرته الباهرة وعلمه الواسع، وأنه تعالى لو شاء لخسف بهم الأرض أو لأرسل عليهم حاصبًا، وكان ما أخبر الله تعالى به هو ما تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوحي، وكان الكفار ينسبونه مرة إلى الشعر ومرة إلى السحر ومرة إلى الجنون، فبدأ سبحانه وتعالى هذه السورة ببراءته صلى الله عليه وسلم مما كانوا ينسبونه إليه من الجنون، وتعظيم أجره على صبره على أذاهم وبالثناء على خلُقه العظيم، فقال عز وجل:
{ن} وهو أحد حروف الهجاء، والله أعلم بمراده به {والقلم} الواو واو القسم، أي يُقسم ربنا عز وجل بالقلم، والقلم معروف غير أن الذي أقسم به ربنا من الأقلام القلم الذي خلقه الله تعالى فأمره فجرى بكتابة جميع ما هو كائن إلى يوم القيامة من الآجال والأعمال والأرزاق وغيرها {وما يَسْطُرونَ} أي وما يكتبون، والمعنى ما تكتبه الملائكة الحفظة من أعمال بني ءادم.
{ما أنْتَ} يا محمد {بِنِعمةِ ربِّكَ} أي بسبب نعمة ربك عليك بالإيمان والنبوة وغيرهما {بِمَجنونٍ} أخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم إنه مجنون شيطان، فنزلت: {ما أنتَ بنعمةِ ربكَ بمجنون} أي وما أنت بإنعام ربك عليك بالإيمان والنبوة بمجنون، ونِعَمُ الله ظاهرة عليك من الفصاحة التامة والعقل الكامل والسيرة المرضية والبراءة من العيوب ,وانت صاحب الأخلاق الحميدة، وفي ذلك رد وتكذيب للمشركين في قولهم إنه مجنون.
{وإنَّ لكَ} يا محمد {لأجرًا} أي ثوابًا من الله عظيمًا على صبرك على أذى المشركين إياك فلا يمنعك ما قالوا عن دعاء الخلق إلى الله تعالى {غيرَ ممنونٍ} أي غير منقوص ولا مقطوع.
{وإنَّكَ} يا محمد {لعلى خُلُقٍ عظيمٍ} روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها قالت: "فإن خُلُق نبي الله صلى الله عليه وسلم القرءان"، والمعنى: إنك لعلى الخلق الذي أمرك الله به في القرءان.
{فسَتُبْصِرُ} أي فستعلم يا محمد {ويُبْصِرونَ} وسيعلم المشركون من أهل مكة يوم القيامة وهذا وعيد لهم.
{بِأيِّكُمُ المَفتونُ} في أي الفريقين المجنون أبالفرقة التي أنت فيها من المؤمنين أم بالفرقة الأخرى، وقيل غير ذلك.
{إنَّ ربَّكَ} يا محمد {هُوَ أعلمُ} أي عالم {بِمَنْ ضلَّ عن سبيلِهِ} أي حاد عن دينه {وهُوَ} أي الله {أعلمُ} أي عالم {بالمُهتَدينَ} الذي هم على الهدى فيجازي كُلاً غدًا بعلمه.

والله تعالى اعلم واحكم
وللموضوع تتمة ان شاء الله

سوزان سوزان


عضو ذهبى
عضو ذهبى

{فلا تُطِعِ} يا محمد وذلك أن رؤساء أهل مكة دعَوه إلى دينهم {المُكَذِّبينَ} الذين كذبوا بما أنزل الله عليك من الوحي وهذا نهي عن طواعيتهم في شيء مما كانوا يدعونه إليه من الكف عنهم ليكفّوا عنه ومن تعظيم ما كانوا يعبدونه من دون الله وغير ذلك.

{وَدُّوا} أي تمنوا {لوْ تُدْهِنُ} أي تلين لهم {فيُدهِنونَ} أي يلينون لك، ومعنى الآية أنهم تمنوا أن تترك بعض ما أنت عليه مما لا يرضونه مصانعة لهم فيفعلوا مثل ذلك، ويتركوا بعض ما لا ترضى به فتلين لهم ويلينوا لك.

{ولا تُطِعْ} أي يا محمد {كُلَّ حلافٍ} أي كل ذي إكثار للحلف بالباطل {مَهينٍ} أي حقير في الرأي والتمييز، وقال بعضهم: مهين أي كذاب لأن الإنسان إنما يكذب لمهانة نفسه عليه.


قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ما نصه "اختُلف في الذي نزلت فيه فقيل: هو الوليد بن المغيرة وذكره يحيى بن سلام في تفسيره، وقيل: الاسود بن عبد يغوث ذكره سنيد بن داود في تفسيره، وقيل: الاخنس بن شريق وذكره السهيلي عن القتيبي، وحكى هذين القولين الطبري فقال: يقال: هو الاخنس، وزعم قوم أنه الأسود وليس به، وأبعد من قال: إنه عبد الرحمن بن الأسود فإنه يصغر عن ذلك، وقد أسلم، وذكر في الصحابة" ا.هـ.

{هَمَّازٍ} قال ابن عباس: "هو المغتاب"، والغيبة ذكرك أخاك المسلم بما يكره مما فيه في خلفه، وقد روى أبو داود في سننه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما عُرجَ بي مررتُ بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم".
{مَّشَّاءٍ بنميمٍ} أي يمشي بالنميمة بين الناس ليفسد بينهم، والنميمة هي نقل القول للإفساد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخلُ الدنة قتَّاتٌ" رواه البخاري ، والقتات هو النمام، ومعنى الحديث لا يدخلها مع الأولين.

{مَّنَّاعٍ للخَيْرِ} الظاهر أن الخير هنا يراد به العموم فيما يطلق عليه خير، قاله أبو حيان، وقيل: بخيل المال، وقيل: يمنع ولده وعشيرته عن الإسلام يقول لهم من دخل منكم في دين محمد لا أنفعه بشيء أبدًا.

{مُعْتَدٍ} أي على الناس في الظلم متجاوز للحد صاحب باطل {أثيمٍ} كثير الآثام.

{عُتُلٍّ} أي الغليظ الجافي، وقيل: الذي يعتُل الناس أي يحملهم ويجرهم إلى ما يكرهون من حبس وضرب، وقيل: الشديد الخصومة بالباطل، وقيل: الفاحش اللئيم، وقيل: الأكول الشروب الغشوم الظلوم.

{بعْدَ} أي مع {ذلكَ} فهو {زَنيمٍ} والمعنى: مع ما وصفه الله به من الصفات المذمومة فهو زنيم، والزنيم هو الدَّعيُّ في قريش وليس منهم، وقيل: هو الذي يُعرف بالشر كما تُعرف الشاة بزنمتها وهي المتدلية من أذنها ومن الحلق. وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: {عُتُلٍّ بعدَ ذلكَ زنيمٍ} قال: "رجلٌ من قريش له زنمة مثل زنمة الشاة" ا.هـ.

وروى البخاري عن حارثة بن وهب الخُزاعي قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا أخبركم بأهل الجنة، كلُّ ضعيف مُتَضَعّفٍ لو أقسم على الله لأبرَّه، ألا أخبركم بأهل النار كلُّ عُتُل جوَّاظ مُستكبر"، وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم {ولا تُطِعْ كلَّ حلافٍ مهين* همَّازٍ مشاءٍ بنميمٍ} فلم نعرفه –أي للوليد بن المغيرة- حتى نزل عليه بعد ذلك {زنيمٍ} فعرفناه له زنمة كزنمة الشاة.والله تعالى اعلم واحكم
وللموضوع تتمة ان شاء الله

سوزان سوزان


عضو ذهبى
عضو ذهبى

{أن كانَ ذا مالٍ وبَنينٍ} فيها وجهان: أحدهما: لأن كان ذا مال تطيعه وهذا تقريع لهذا الخلاف المهين، والثاني: ألأن كان ذا مال وبنين.
{إذا تُتْلى عليهِ ءاياتُنا} أي القرءان {قالَ أساطيرُ الأوَّلينَ} أي قال: أباطيلهم وترهاتهم وخرافاتهم، وهذا الذي قال إنما هو استهزاء بآيات الله وإنكار منه أن يكون ذلك من عند الله.

ولمّا ذكر قبائح أفعاله وأقواله ذكر ما يُفعل به على سبيل التوعد فقال تعالى:

{سَنَسِمُهُ على الخُرطومِ} السمة: العلامة، والخرطوم: الأنف، والمعنى: سنبين أمره بيانًا واضحًا حتى يعرفوه فلا يخفى عليهم كما لا تخفى السمة على الخرطوم، او سنجعل على أنفه علامة يُعيّر بها ما عاش، فخُطم بالسيف، يقال خَطَمَهُ إذا أثَّر في أنفه جراحة، فجمع له مع بيان عيوبه للناس الخطم بالسيف، وقال ءاخرون: لزمه عار لا ينمحي عنه ولا يفارقه.

{إنَّا بَلَوْناهُم} يعني أهل مكة امتحناهم واختبرناهم، والمعنى: أعطيناهم أموالاً ليشكروا لا ليبطروا فلما بطروا وعادَوْا محمدًا صلى الله عليه وسلم ابتليناهم بالجوع والقحط {كما بلونا} أي امتحنا {أصحابَ الجنَّةِ} أي أصحاب البستان {إذْ اقسَموا} وحلفوا فيما بينهم {لَيَصْرِمُنَّها} أي ليقطعنَّ ثمرها {مُصبحينَ} أي وقت الصباح كي لا يشعر بهم المساكين فلا يُعطون ما كان أبوهم يتصدق به عليهم منها.

{ولا يَسْتَثْنونَ} أي لا يقولون إن شاء الله بل عزموا على ذلك عزم من يملك أمره.

أما قصة أصحاب الجنة وهي البستان فقد ذكر أهل التفسير أن رجلاً كان بناحية اليمن به بستان وكان مؤمنًا وذلك بعد سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام، وكان يجعل عند الحصاد نصيبًا للفقراء والمساكين فكان يجتمع من هذا شيء كثير، فلما مات الأب ورثه ثلاثة بنين له وقالوا: والله إن المال لقليل وإن العيال لكثير وإنما كان أبونا يفعل هذا الأمر إذ كان المال كثيرًا والعيال قليلاً، وأما إذا قلّ المال وكثر العيال فإنا لا نستطيع أن نفعل هذا، فعزموا على حرمان المساكين وتحالفوا بينهم يومًا ليغدُوَّن غدوة قبل خروج الناس ليقطعوا ثمر البستان، فلما أصبحوا وجدوه قد احترق وصار كالليل الأسود.
{فَطافَ} أي طرق {عليها} أي الجنة وهي البستان {طائِفٌ} أي طارق {من ربِّكَ} أي من أمر الله {وهُمْ نائِمونَ} ومعنى الآية أن الله بعث على البستان نارًا فاحترق فصار أسود.

{فأصْبَحتْ} فصارت جنتهم أي بستانهم {كالصَّريمِ} كالليل الاسود بسبب احتراق البستان، وقيل: صارت كالرماد الأسود.

{فَتَنادَوا} هؤلاء القوم وهم أصحاب الجنة أي دعا بعضهم بعضًا إلى المضي إلى ميعادهم {مُصبِحين} يعني لما أصبحوا.

{أنِ اغْدُوا} أي باكروا بالخروج وقت الغداة {على حَرثِكُم} يعني الثمار والزرع {إنْ كُنتُمْ صارِمينَ} أي قاطعين ثماركم.

{فانْطَلَقوا} أي مضوا وذهبوا إلى حرثهم {وهُمْ يَتَخافتونَ} أي يتسارُّون، والمعنى أنهم يُخفون كلامهم ويُسرونه لئلا يعلم بهم أحد.

{أن لا يَدخُلَنَّها} أي يتخافتون ويقولون: لا يدخلنها أي الجنة {اليومَ عليكُم مسكينٌ} والنهي عن الدخول نهي عن التمكين منه أي لا تمكنوهم من الدخول فيدخلوا.

{وغَدَوْا} أي ساروا إلى جنتهم غدوة {على حرْدٍ} أي على قدرة، وفسر الحرد بالقصد أي غدوا على أمر قد قصدوه واعتمدوه واستسرّوه بينهم وهم يظنون في أنفسهم القدرة على صرمها وأنهم تمكنوا من مرادهم، وفُسّر الحرد بالمنع أي منع الفقراء وفي ظنهم القدرة على ذلك، وقيل غير ذلك {قادرينَ} أي عند أنفسهم على جنتهم وثمارها لا يحول بينهم وبينها أحد، او أن يكون التقدير بمعنى التضييق لقوله تعالى: {فقَدَرَ عليهِ رزقهُ} [سورة الفجر] أي مضيقين على المساكين إذ حرموهم ما كان أبوهم ينيلهم منها، قاله أبو حبان.

والله تعالى اعلم واحكم
وللموضوع تتمة ان شاء الله

سوزان سوزان


عضو ذهبى
عضو ذهبى

{فلمَّا رأوها} أي فلما صار هؤلاء القوم إلى بستانهم ورأوها محترقًا حرثُها أنكروها وشكوا فيها هل هي جنتهم أم لا، فقال بعضهم لبعض ظنًا منهم أنهم قد ضلوا الطريق وتاهوا وأن التي رأوا غيرها {قالوا إنَّا} أيها القوم {لضالُّونَ} أي لمخطئون الطريق إلى جنتنا وليست هذه جنتنا، ثم وضح لهم أنها هي وأنه أصابها من عذاب الله ما أذهب خيرها، وقيل: أي إنا لضالون عن الصواب في غدونا على نية منع المساكين فلذلك عوقبنا.

{بل نحنُ} أيها القوم {مَحْرومون} أي حُرمنا خيرها ونفعها بمنعنا الفقراء منها.

{قالَ أوسَطُهم} أي قال أفضلهم قولاً وأرجحهم عقلاً {ألمْ أقُل لكُمْ لولا} أي هلا {تُسَبِّحونَ} أي تقولون سبحان الله وتشكرونه على ما أعطاكم. فقد أنّبهم أخوهم ووبخهم على تركهم ما حضهم عليه من تسبيح الله أي ذكره وتنزيهه عن السوء، ولو ذكروا الله وإحسانه إليهم لامتثلوا ما أمر به من مواساة المساكين واقتفوا سنة أبيهم في ذلك، فلما غفلوا عن ذكر الله تعالى وعزموا على منع المساكين ابتلاهم الله وهذا يدل على أن أوسطهم كان قد تقدم إليهم وحرضهم على ذكر الله تعالى، وقيل: "لولا تسبحون" أي تستثنون إذ قلتم {ليَصرمُنَّها مُصبِحينَ} فتقولوا إن شاء الله، وقيل: لولا تسبحون أي تذكرون الله وتتوبون إليه من خبث نيتكم، ولمّا أنّبهم رجعوا إلى ذكر الله تعالى واعترفوا على أنفسهم بالظلم وبادروا إلى تسبيح الله عز وجل.

{قالوا سُبحانَ ربِّنا} أي نزهوا الله عن أن يكون ظالمًا فيما فعل، قال ابن عباس: أي نستغفر الله من ذنبنا {إنَّا كُنَّا ظالمينَ} أي لأنفسنا من منعنا المساكين من ثمر جنتنا.

{فأقبلَ بعضُهم على بعضٍ يتلاوَمونَ} أي يلوم بعضهم بعضًا، يقول هذا لهذا: أنت أشرت علينا بهذا الرأي، ويقول ذلك لهذا: أنتَ خوفتنا من الفقر، ويقول الثالث لغيره: أنت رغبتنا في جمع المال، ثم نادوا على أنفسهم بالويل.

{قالوا ياويْلَنا} أي هلاكنا {إنَّا كُنَّا طاغينَ} أي مخالفين أمر الله في تركنا الاستثناء ومنعنا حق الفقراء، ثم رجوا انتظار الفرج في أن يبدلهم خيرًا من تلك الجنة فقالوا:
{عسى ربُّنا أن يُبْدِلَنَا خيرًا مِنها} أي من هذا الجنة {إنَّا إلى ربِّنا راغبونَ} أي طالبون من الله تعالى أن يبدلنا من جنتنا إذ هلكن خيرًا منه>
{كذلكَ العذابُ} أي عذاب الدنيا الذي بلونا به أصحاب البستان من إهلاك ما كان عندهم إذ أصبحت جنتهم أي بستانهم كالصريم.

{ولَعَذابُ الآخرةِ أكبرُ} يعني عقوبة الآخرة لمن عصى ربه وكفر به أكبر يوم القيامة من عقوبة الدنيا وعذابها {لوْ كانوا يعلمونَ} أي لو كان هؤلاء المشركون يعلمون أن عقوبة الله لأهل الشرك به أكبر من عقوبته لهم في الدنيا لارتدعوا وتابوا وأنابوا.

,والله تعالى اعلم واحكم
وللموضوع تتمة ان شاء الله

سوزان سوزان


عضو ذهبى
عضو ذهبى

ثم اخبر الله عز وجل بما أعدّ للمتقين فقال:

{إنَّ للمُتَّقينَ} المؤمنين بالله ورسوله والمجتنبين للشرك وسائر أنواع الكفر، والتقي هو الذي أدّى ما فرضه الله واجتنب ما حرّمه، فهؤلاء المتقون لهم {عندَ ربِّهم} في الآخرة {جَنَّاتِ النَّعيمِ} أي النعيم الدائم الذي لا يشوبه ما ينغصه، قال الله تعالى: {إنَّ الذينَ ءامنوا وعمِلوا الصَّالِحاتِ إنَّا لا نُضِيعُ أجرَ مَنْ أحسنَ عملاً* أولئكَ لهُمْ جنَّاتُ عدنٍ تجري من تحتهمُ الأنهارُ يُحَلَّوْنَ فيها مِن أساوِرَ مِن ذهبٍ ويلبسونَ ثيابًا خُضْرًا من سُندسٍ وإستبرقٍ مُتَّكِئينَ فيها على الأرائكِ نِعْم الثَّوابُ وحَسُنَتْ مُرتَفَقًا} [سورة الكهف]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخّطون" قالوا: فما بال الطعام؟ قال: "جُشاء ورشحٌ كرشح المسك، يُلهمون التسبيح والتحميد كما يُلهمون النَّفس"، وقال أيضًا: "ينادي مناد: إن لكم أن تَصِحوا فلا تسقموا أبدًا، وإن لكم أن تحْيَوْا فلا تموتوا أبدًا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدًا، فذلك قوله عز وجل: {ونُودوا أن تِلكُمُ الجنَّةُ أورِثتُمُوها بما كُنتم تعملون} [سورة الأعراف] رواهما مسلم

ولمّا قال المشركون: إنا لنُعْطى في الآخرة أفضل مما تُعطون قال تعالى مكذبًا لهم:

{أفَنَجعلُ المُسلمينَ كالمُجرمين} أي لا يتساوى عند الله الذين ءامنوا بربهم وذلوا له بالعبودية والكافرين، وهو استفهام فيه توقيف على خطإ ما قالوا وتوبيخ وتقريع للكفار.

ثم وبّخهم فقال: {ما لكُمْ} أي أيُّ شيء لكم فيما تزعمون، وهو استفهام إنكار عليهم {كيفَ تَحكُمونَ} وهو استفهام ثالث على سبيل الإنكار عليهم، ومعنى الآية: كيف تحكمون هذا الحكم الفاسد، كأن أمر الجزاء مفوّض إليكم حتى تحكموا فيه بما شئتم أن لكم من الخير ما للمسلمين، وهذا إشعار بأن هذا الحكم صادر من اختلال فكر واعوجاج رأي.

{أمْ لكُمْ}
أي ألكم أيها القوم بتسويتكم بين المسلمين والمجرمين في الجزاء والمنزلة {كِتابٌ} أُنزل من عند الله أتاكم به رسول من رسله {فيهِ تَدْرِسون} أي تقرءون في ذلك الكتاب {إنَّ لكُمْ فيهِ لما تَخَيَّرون} أي إن ما تختارونه وتشتهونه لكم كما زعمتم.

{أمْ لكم}
أي ألكم {أيْمانٌ علينا بالغةٌ} أي أقسام وعهود ومواثيق عاهدناكم عليها فاستوثقتم بها منا بالغة أي {بالغةٌ إلى يومِ القيامةِ} مؤكدة تنتهي بكم إلى يوم القيامة لا تنقطع تلك الأيمان والعهود إلى يوم القيامة {إنَّ لكُم} في ذلك العهد {لما تَحكُمونَ} أي حكمكم.

ثم قال الله تعالى لنبيه محمد:

{سَلْهُمْ} أي سل يا محمد هؤلاء المشركين وقل لهم {أيُّهُم بذلكَ زعيمٌ} الزعيم: الكفيل، أي أيهم كفيل وضامن بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين من الخير {أمْ لهُمْ شُركاءُ}أن المعنى أم لهم أشياء يعتقدون أنها شركاء الله تعالى ويعتقدون أن أولئك الشركاء يجعلونهم في الآخرة مثل المؤمنين في الثواب والخلاص من العقاب، وإنما أضاف الشركاء إليهم لأنهم هم جعلوها شركاء لله تعالى.

{فَلْيَأتوا}
هذا أمرٌ معناه التعجيز أي لا أحد يقول بقولهم كما أنه لا كتاب لهم ولا عهد من الله ولا زعيم لهم يضمن لهم من الله بهذا {بِشُركائِهم} يشهدون على ما زعموا {إن كانوا صادقين} في دعواهم.

إنه تعالى لمّا أبطل قولهم وبين أنه لا وجه لصحته أصلاً أخبر عن عظمة يوم القيامة فقال: {يومَ} هو يوم القيامة {يُكشفُ عن ساقٍ} هو عبارة عن شدة الأمر يوم القيامة للحساب والجزاء، يقال: كشفت الحرب عن ساق إذا اشتد الأمر فيها، وثبت هذا المعنى عن ترجمان القرءان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقال في تفسير هذه الآية: "عن شدة من الأمر"، وروى الحاكم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: "هو يوم كرب وشدة". وقال أهل الباطل من المشبهة إن لله ساقًا يكشفها يوم القيامة، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا اذ انه سبحانه ليس كمثله شيء.
{ويُدعَونَ} أي الكفار {إلى السُّجودِ فلا يستطيعون} كأن في ظهورهم سفافيد الحديد، والدعاء إلى السجود ليس على سبيل التكليف بل على سبيل التقريع والتوبيخ وعندما يدعون إلى السجود سُلبوا القدرة عليه وحيل بينهم وبين الاستطاعة حتى يزداد حزنهم وندمهم على ما فرطوا فيه حين دعوا إليه وهم سالمو الأطراف والمفاصل.

{خاشعةً أبصارهُم} أي ذليلة وخاضعة {ترهَقُهُم ذِلَّةٌ} أي تغشاهم وذلك أن المؤمنين يرفعون رءوسهم ووجوههم أشد بياضًا من الثلج وتسود وجوه الكافرين {وقدْ كانوا يُدعَونَ} أي في الدنيا {إلى السجودِ وهُمْ سالِمونَ} أي مُعافون أصحاء.

والله تعالى اعلم واحكم
وللموضوع تتمة ان شاء الله

سوزان سوزان


عضو ذهبى
عضو ذهبى

{فَذَرني ومَن يُكَذِّبُ بهذا الحديثِ} أي القرءان، والمعنى: كِلْ يا محمد أمر هؤلاء المكذبين بالقرءان إليّ أكفِكَ أمره أي حسبك في الإيقاع بهم والانتقام منهم أن تكِل أمرهم إليّ فإني عالم بما يستحقون من العذاب، وهذا وعيد شديد لمن يكذب بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من أمر الآخرة وغيره. قال ابن الجوزي: "زعم بعض المفسرين أنها منسوخة بآية السيف، وإذا قلنا إنه وعيد وتهديد فلا نسخ" ا.هـ.

{سَنَسْتَدْرجُهُم} أي نأخذهم درجة درجة وذلك إدناؤهم من الشيء شيئًا فشيئًا، والمعنى: أن الله تعالى يدنيهم من العذاب درجة درجة حتى يوقعهم فيه {مِنْ حيثُ لا يعلمونَ} واستدراج الله تعالى العصاة أن يرزقهم الصحة ويفتح بابًا من النعمة يغتبطون به ويركنون إليه وهم يحسبونه تفضيلاً لهم على المؤمنين وهو في الحقيقة سبب لإهلاكهم فإن العبد إذا كان بحيث كلما ازداد ذنبًا جدّد الله له نعمة وأنساه التوبة والاستغفار كان ذلك منه استدراجًا بحيث لا يشعر العبد أنه استدراج.

{وأُملي لهُم} أي أمهلهم وأطيل لهم المدة {إنَّ كيدي متينٌ} أي إن عذابي لقوي شديد.


{أمْ تسألُهُم} أي أتسأل يا محمد هؤلاء المشركين بالله على ما أتيتهم به من النصيحة ودعوتهم إليه من الحق {أجرًا} أي ثوابًا وجزاء {فهم مِن مَّغرَمٍ} أي من أن يغرموا لك الأجر {مُثْقَلون} قد أثقلهم القيام بأدائه، ومعنى الآية: أتطلب منهم أجرًا فيثقل عليهم حمل الغرامات في أموالهم فيثبطهم ذلك عن الإيمان فلا يؤمنون، وهو استفهام بمعنى النفي أي لست تطلب أجرًا على تبليغ الوحي فيثقل عليهم ذلك فيمتنعوا عن الدخول في الذي دعوتهم إليه من الدين.

{أم عندهمُ الغيبُ} أي اللوح المحفوظ الذي فيه الغيب {فهُم يَكتبون} منه ما يقولون، وهو استفهام على سبيل الإنكار.


{فاصْبر} يا محمد {لِحُكمِ ربِّكَ} أي لقضاء ربك الذي هو ءات، وامض لما أمرك به ربك ولا يثنيك عن تبليغ ما أمرت بتبليغه تكذيبهم إياك وأذاهم لك. قال ابن الجوزي: "قال بعضهم معنى الصبر منسوخ بآية السيف" ا.هـ ثم رده أي ابن الجوزي.
{ولا تكُن} يا محمد {كصاحبِ الحوتِ} وهو سيدنا يونس عليه السلام الذي حبسه الحوت في بطنه، وكان من قصته أنه لما ذهب إلى العراق امتثالاً لأمر الله ليبلغ رسالة ربه ودعا هؤلاء المشركين إلى دين الإسلام وعبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام، كذبوه وتمردوا وأصروا على كفرهم ولم يستجيبوا لدعوته، وبقي يونس عليه الصلاة والسلام صابرًا على الأذى يدعوهم إلى الإسلام ويذكرهم ويعظهم، ولكنه مع طول مكثه معهم لم يلق منهم إلا عنادًا وإصرارًا على كفرهم ووجد فيهم ءاذانًا صمًا وقلوبًا غلفًا ووقفوا معارضين لدعوته عليه السلام فأيس سيدنا يونس عليه الصلاة والسلام منهم بعدما طال ذلك عليه من أمرهم وخرج من أظهرهم وظن أن الله تعالى لن يؤاخذه على هذا الخروج من بينهم ولن يضيق عليه بسبب تركه لأهل هذه القرية وهجره لهم قبل أن يأمره الله تبارك وتعالى بالخروج. ولمّا أصاب نبي الله يونس ما أصابه من ابتلاع الحوت علم عليه السلام أن ما أصابه حصل له ابتلاء له بسبب استعجاله وخروجه عن قومه الذين أرسل إليهم بدون إذن من الله تعالى، ثم عاد إليهم فوجدهم مؤمنين بالله تائبين إليه فمكث معهم يعلمهم ويرشدهم.


فائدة مهمة: سيدنا يونس عليه السلام ذهب مغاضبًا لقومه لأنهم كذبوه ولم يؤمنوا بدعوته وأصروا على كفرهم وشركهم، فلا يجوز أن يعتقد أن نبي الله يونس عليه السلام ذهب مغاضبًا لربه فإن هذا كفر وضلال لا يجوز نسبته لأنبياء الله الذين عصمهم الله وجعلهم هُداة مهتدين عارفين بربهم، فمن نسب إلى يونس عليه السلام أنه ذهب مغاضبًا لله فقد افترى على نبي الله ونسب إليه الجهل بالله والكفر به وهذا مستحيل على الأنبياء لأنهم معصومون من الكفر والكبائر وصغائر الخسة قبل النبوة وبعدها.

والله تعالى اعلم واحكم
وللموضوع تتمة ان شاء الله

سوزان سوزان


عضو ذهبى
عضو ذهبى

{إذْ نادى} حين دعا ربه وهو في بطن الحوت فقال: "لا إله إلا أنت سبحانك" {وهُوَ مكظومٌ} أي مملوء غيظًا على قومه إذ لم يؤمنوا لما دعاهم إلى الإيمان وأحوجوه إلى استعجال مفارقته إياهم.

{لولا أنْ تَدَاركَهُ} أي أدركه {نِعمةٌ} أي رحمة {مِنْ ربِّهِ} أي لولا أن الله أنعم عليه بإجابة دعائه وقبول عذره {لنُبِذَ} أي لطرح من بطن الحوت {بالعراءِ} أي بالأرض الواسعة الفضاء التي ليس فيها جبل ولا شجر يستر {وهُوَ مذمومٌ} أي مُليم ولكنه رُحم فنبذ غير مذموم لأنه تِيْبَ عليه قبل أن يخرج من بطن الحوت.

{فاجْتَباهُ ربُّهُ} أي اصطفاه الله واختاره {فَجَعلهُ مِنَ الصالحينَ} أي من المستكملين لصفات الصلاح، وقيل من النبيين.
{وإن يَكادُ الذينَ كفروا لنُزلِقُونَكَ بأبْصارِهم} وفي معنى الآية للمفسرين قولان: أحدهما: أن الكفار قصدوا أن يصيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين فعصمه الله تعالى وأنزل هذه الآية، وقيل: إن الكفار من شدة إبغاضهم لك وعداوتهم يكادون بنظرهم إليك نظر البغضاء أن يُزلقه من شدته، يقال نظر فلان إليّ نظرًا كاد يأكلني وكاد يصرعني. وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بمشيئة الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العين حق" رواه البخاري ، أي الإصابة بالعين شيء ثابت موجود.

وأخرج البخاري أيضًا من رواية ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوّذ الحسن والحسين ويقول: "إن أباكما كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين ولامّة".

{لما سَمِعوا الذِّكرَ} أي لما سمعوا كتاب الله يُتلى وهو القرءان {ويَقولونَ} من شدة كراهيتهم وبغضهم لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم {إنَّهُ لمجنونٌ} أي ينسبونه إلى الجنون إذا رأوه يقرأ القرءان يقولون ذلك تنفيرًا عنه وقد علموا أنه صلى الله عليه وسلم أتمهم فضلاً وأرجحهم عقلاً، قال تعالى ردًا عليهم {وما هُوَ} يعني القرءان {إلا ذِكرٌ للعالمينَ} أي موعظة للإنس والجن يتعظون به ويستنبطون منه صلاح أحوالهم المتعلقة بالدين والدنيا، فمن كان يظهر مثل هذا الذي فيه الهدى والحق والعدل والسعادة الأخروية ويتلوه ويدعو الناس إلى العمل بما فيه كيف يقال في حقه إنه مجنون والحال أنه من أدل الأمور على كمال عقله وعلوّ شأنه، فمن نسب إليه صلى الله عليه وسلم القصور فإنما هو من جهله وخيبته فإن ذا الفضل لا يعرفه إلا ذووه، ولقد قيل:

إذا لم يكن للمرء عينٌ صحيحةٌ *** فلا غَروَ أن يرتابَ والصبح مسفر.

والله تعالى اعلم واحكم

سوزان سوزان


عضو ذهبى
عضو ذهبى

سورة الحاقة

مكية في قول الجميع، وهي
اثنتان وخمسون ءاية

بسم الله الرحمن الرحيم



{الحاقةُ} يعني القيامة، سُميت حاقة من الحق الثابت يعني أنها ثابتة الوقوع لا ريب فيها.

{ما الحاقَّةُ} ما استفهام لا يراد حقيقته بل المقصود منه تعظيم شأنها وتهويله أي ما هي الحاقة، ثم زاد في التهويل بأمرها فقال:

{وما أدراكَ} أي أعلمَك، أي لم تعاينها ولم تدر ما فيها من الأهوال {ما الحاقةُ} زيادة تعظيم لشأنها ومبالغة في التهويل، والمعنى أن فيها ما لم يُدر ولم يُحط به وصف من أمورها الشاقة وتفصيل أوصافها. ثم ذكر الله تعالى المكذبين بها فقال:{كذَّبتْ ثمودُ} وهم قوم سيدنا صالح عليه السلام {وعادٌ} وهم قوم سيدنا هود عليه السلام {بالقارعةِ} أي بيوم القيامة، والقارعة اسم من أسماء يوم القيامة.

{فأمَّا ثمودُ فأُهْلِكوا بالطاغيةِ} أي بطغيانهم وكفرهم، وقيل بالصيحة الشديدة المجاوزة في قوتها وشدتها عن حد الصيحات بحيث لم يتحملها قلب أحد منهم كما قال الله تعالى: {إنَّا أرْسَلنا عليهم صَيحةً واحدةً فكانوا كَهشيمِ المُحْتَظر} [سورة القمر]، والمقصود من ذكر هذه القصص زجر هذه الأمة عن الاقتداء بهؤلاء الأمم في المعاصي لئلا يحُل بها ما حل بهم.

{وأمَّا عادٌ فأُهلِكوا بريحٍ صرصرٍ} باردة تحرق ببردها كإحراق النار، وقيل الشديدة الصوت {عاتيةٍ} شديدة العصف تجاوزت في الشدة والعصوف مقدارها المعروف في الهبوب والبرد، فهم أي قوم عاد مع قوتهم وشدتهم لم يقدروا على ردّها بحيلة من الاستتار ببنيان أو الاستناد إلى جبل أو اختفاء في حفرة لأنها كانت تنزعهم عن أماكنهم وتهلكهم.


{سَخَّرَها} أي سلطها الله وأدامها {عليهم سبعَ ليالٍ وثمانيةَ أيَّامٍ حُسومًا} أي متتابعة دائمة ليس فيها فتور وذلك أن الريح المهلكة تتابعت عليهم في هذه الأيام فلم يكن لها فتور ولا انقطاع حتى أهلكتهم، وقيل: كاملة {فَتَرى القومَ} يعني قوم عاد {فيها} في تلك الليالي والأيام {صَرْعى} جمع صريع يعني موتى {كأنَّهُم أعْجازُ} أي أصول {نَخْلٍ خاويةٍ} أي ساقطة، وقيل خالية الأجواف، وشبههم بجذوع نخل ساقطة ليس لها رءوس، فإن الريح كانت تحمل الرجل فترفعه في الهواء ثم تلقيه فتشدخَ رأسه فيبقى جثة بلا رأس، وفي تشبيههم بالنخل أيضًا إشارة إلى عِظَم أجسامهم.

{فَهَلْ ترى لهُم من باقية} أي من نفس باقية، أو التاء للمبالغة أي هل ترى لها من باق؟ لا.

والله تعالى اعلم واحكم
وللموضوع تتمة ان شاء الله

سوزان سوزان


عضو ذهبى
عضو ذهبى

{وجاءَ فرعونُ ومَنْ قبلهُ} أي من الأمم الكافرة التي كانت قبله كقوم نوح وعاد وثمود {والمُؤتَفِكاتُ} يعني أهل قرى قوم لوط وكانت أربع أو خمس قريات التي ائتفكت أي انقلبت بأهلها فصار عاليها سافلها {بالخاطِئةِ} أي بالفعلة أو الفعلات الخاطئة وهي المعصية والكفر، وقيل: الخطايا التي كانوا يفعلونها، وقيل: هي ذات الخطإ العظيم.


{فَعَصَوا} أي عصى هؤلاء الذين ذكرهم الله وهم فرعون ومن قبله والمؤتفكات {رسولَ ربِّهم} أي كذبوا رسلهم {فأخَذَهُمْ} ربهم {أخذةً رابيةً} أي زائدة شديدة نامية زادت على غيرها من الأخذات كالغرق كما حصل لفرعون وجنوده وقلب المدائن كما حصل لقوم لوط.>

{إنَّا لمَّا طغى الماءُ} أي زاد وارتفع وعلا على أعلى جبل في الدنيا، والمراد الطوفان الذي حصل زمن سيدنا نوح عليه السلام {حَمَلْناكُم} أي حملنا ءاباءكم وأنتم في أصلابهم {في الجاريةِ} أي السفينة الجارية على وجه الماء وهي السفينة التي صنعها سيدنا نوح عليه السلام بأمر الله تعالى وصعد عليها ومن ءامن به.

فإن قيل: إن المخاطبين لم يدركوا السفينة فكيف يقال {حَملناكُم في الجاريةِ}، فالجواب: إن الذين خوطبوا بذلك وهم من ذرية الذين حُملوا في الجارية أي السفينة وهم سيدنا نوح عليه السلام وأولاده فكان حمل الذين حُملوا فيها من الأجداد حَمْلاً لذريتهم.
{لِنَجْعَلَها} أي لنجعل تلك الفعلة وهي إنجاء المؤمنين وإهلام الكفرة {لكُم تذكرةً} أي عبرة وعظة ودلالة على قدرة الخالق وحكمته وكمال قهره وقدرته {وتَعِيَها} أي تحفظ قصتها {أذنٌ واعيةٌ} أي حافظة لما تسمع أي من شأنها أن تعي المواعظ وما جاء من عند الله لإشاعة ذلك والتفكر
فيه والعمل بموجبه.

{وحُمِلَتِ} أي رفعت من أماكنها {الأرضُ والجِبالُ} أي حملتها الريح العاصف

{فَدُكَّتا دَكَّةً واحدةً} أي ضرب بعضها ببعض حتى تفتتت، وقيل: تبسط فتصير أرضًا مستوية كالأديم الممدود.

{فيَومئذٍ وقَعَتِ الواقعةُ} أي قامت القيامة، والواقعة هي القيامة.

{وانْشقَّتِ السماءُ} أي انفطرت وتصدعت وتميز بعضها من بعض {فَهِيَ يومَئذٍ واهيةٌ} أي ضعيفة لتشققها بعد أن كانت شديدة.


{والمَلَكُ} يعني الملائكة {على أرجائِها} أي على جوانب وأطراف السماء {ويَحْمِلُ} أي الملائكة يحملون {عرشَ ربِّكَ فوقهُم} أي فوق رءوسهم، وقيل: إن حملة العرش فوق الملائكة الذين في السماء على أرجائها {يومئذٍ} أي يوم القيامة {ثمانيةٌ} أي من الملائكة واليوم أي في الدنيا يحمله أربعة من الملائكة، وإنما يكونون ثمانية يوم القيامة إظهارًا لعظيم ذلك اليوم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان صفة حملة العرض: "أُذِنَ لي أن أُحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام" رواه أبو داود


والله تعالى اعلم واحكم

سوزان سوزان


عضو ذهبى
عضو ذهبى

{يومَئِذٍ تُعرَضون} على الله للحساب وليس ذلك عرضًا يعلم الله به ما لم يكن عالمًا به بل معناه الحساب وتقرير الأعمال عليهم للمجازاة {لا تَخْفى مِنكُم خافيةٌ} فهو عالم بكل شيء من أعمالكم،
{فأمَّا} أما حرف تفصيل فصّل بها ما وقع في يوم العرض {مَنْ أوتِيَ} أي أُعطي {كِتابهُ} أي كتاب أعماله {بيَمينِهِ} وإعطاء الكتاب باليمين دليل على النجاة {فيقولُ} المؤمن خطابًا لجماعته لما سُرَّ به {هاؤُمُ} أي خذوا، وقيل تعالوا {اقرءُوا كِتابيَهْ} والمعنى أنه لما بلغ الغاية في السرور وعلم أنه من الناجين بإعطاء كتابه بيمينه أحب أن يُظهر ذلك لغيره حتى يفرحوا له.

{إنِّي ظننتُ} أي علمتُ وأيقنتُ في الدنيا، قال أبو حيان : "{إني ظننتُ} أي أيقنتُ، ولو كان ظنًا فيه تجويز لكان كفرًا" ا.هـ، فُسر الظن هنا بمعنى اليقين لأنه لو أبقي على أصله أي بمعنى الشك والتردد لكان المعنى أنه ظن أي شك هل يحاسب في الآخرة أم لا، والاعتقاد بالبعث والحساب من جملة العقائد الدينية التي يجب الإيمان بها، والشك فيهما كفر، والإيمان لا يحصل بالشك والظن بل لا بد للمؤمن أن يتيقن بحقية البعث والحساب، فيكون معنى الآية: إني علمت وتيقنت في الدنيا أن الله تعالى يبعثني و{أنِّي مُلاقٍ} أي ثابت لي ثباتًا لا ينفك أني لاق {حِسابيه} في الآخرة ولم أنكر البعث.

{فهُوَ} أي الذي أعطي كتابه بيمينه {في عيشةٍ} أي في حالةٍ من العيش {راضيةٍ} يعني ذات رضا أي رضي بها صاحبها، وقيل عيشة مرضية وذلك بأنه لقي الثواب وأمِنَ من العقاب.

روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ لكم أن تصِحوا فلا تسقموا أبدًا، وإنّ لكم أن تحْيوا فلا تموتوا أبدًا، وإنّ لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا، وإنّ لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدًا".


{في جنَّةٍ عليةٍ} مكانًا فهي فوق السموات السبع، وعالية في الدرجة والشرف والأبنية.

روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها".

وقال أيضًا: "إنّ للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوّفة طولها ستون ميلاً
" رواه مسلم .

وقال أيضًا: "إنّ في الجنة مائة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتُم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة" رواه البخاري .


{قُطُوفُها} أي ما يُقطف من ثمار الجنة {دانيةٌ} أي قريبة لمن يتناولها قائمًا أو قاعدًا أو نائمًا على السرير انقادت له وكذا إن أراد أن تدنو إلى فِيْه أي فمه دنت لا يمنعه من ثمرها بُعْد، ويقال لهم:

{كُلُوا واشربوا} أمر امتنان لا تكليف أي يقال لهم ذلك إنعامًا وإحسانًا وامتنانًا وتفضيلاً عليهم فإن الآخرة ليست بدار تكليف {هَنيئًا} أي لا تكدير فيه ولا تنغيص لا تتأذون بما تأكلون ولا بما تشربون في الجنة أكلاً طيبًا لذيذًا شهيًا مع البعد عن كل أذى ولا تحتاجون من أكل ذلك إلى غائط ولا بول، ولا بصاق هناك ولا مخاط ولا وهن ولا صداع {بِما أسْلَفتُم} أي بما قدمتم لآخرتكم من الأعمال الصالحة {في الأيامِ الخاليةِ} أي في أيام الدنيا التي خلت فمضت واسترحتم من تعبها.

والله تعالى اعلم واحكم

sherif 77

sherif 77
عضو ذهبى
عضو ذهبى

الف

الف

الف

شكر

سوزان سوزان


عضو ذهبى
عضو ذهبى

{وأمَّا مَنْ أُوتِيَ كتابهُ} أي أعطي كتاب أعماله {بِشمالِهِ فيقولُ} لما يرى من سوء عاقبته التي كُشف له عنها الغطاء {يا ليتني لمْ أوتَ كِتابيه} أي تمنى أنه لم يؤت كتابه لما يرى فيه من قبائح أفعاله.

روى ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يُدعى أحدهم فيُعطى كتابه بيمينه ويمدُّ له في جسمه ستون ذراعًا ويبيض وجهه ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ يتلألأ قال: فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون: اللهم بارك لنا في هذا حتى يأتيهم فيقول: أبشروا فإن لكل رجل منكم مثل هذا، وأما الكافر فيعطى كتابه بشماله مسودًا وجهه ويزاد في جسمه ستون ذراعًا على صورة ءادم ويلبس تاجًا من نار فيراه أصحابه فيقولون: اللهم اخزه فيقول: أبعدكم الله فإن لكل واحد منكم مثل هذا".
{ولَمْ أدرِ ما حِسابيه} أي وتمنى أنه لم يدر حسابه لأنه لا حاصل له في ذلك الحساب ولا طائل إذ كله عليه لا له.

{يا ليتها} اي الموتة التي متها في الدنيا، فإنه تمنى أنه لم يبعث للحساب {كانتِ القاضيةَ} أي القاطعة للحياة ولم أحيَ بعدها فلم أُبعث ولم أعذب، فقد تمنى الموت ولم يكن شيء عنده أكره منه إليه في الدنيا لأنه رأى تلك الحالة أشنع وأمرّ مما ذاقه من الموت.

قال البخاري: "القاضية" الموتة الأولى التي متُّها، لم أحْيَ بعدها".

روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يقول الله تبارك وتعالى لأهون أهل النار عذابًا: لو كانت لك الدنيا وما فيها أكنت مفتديًا بها؟ فيقول: نعم، فيقول: قد أردتُ منك أهون من هذا وأنت في صلب ءادم أن لا تشرك، فأبيت إلا الشرك".
{ما أغنى عنِّي ماليَه} يعني أنه لم يدفع عنه ماله الذي كان يملكه في الدنيا من عذاب الله شيئًا، ويجوز أن يكون استفهامًا وبّخ به نفسه وقررها عليه، قاله أبو حيان.
{هَلَكَ عنِّي سُلطانِيَه} يعني ضلت عني كل بينة فلم تغن عني شيئًا وبطلت حجتي التي كنت أحتج بها في الدنيا، وقيل: زال عني ملكي وقوتي.

{خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} أي يقول الله تعالى لخزنة جهنم خذوه واجمعوا يديه إلى عنقه مقيّدًا بالأغلال {ثُمَّ الجحيمَ} أي نار جهنم {صَلُّوهُ} أي ادخلوه واغمروه فيها {ثمَّ في سِلسِلَةٍ} وهي حلقٌ منتظمة كل حلقة منها في حلقة، وهذه السلسلة عظيمة جدًا لأنها إذا طالت كان الإرهاب أشدُّ {ذَرْعُها} أي قياسها ومقدار طولها {سبعونَ ذِراعًا} الله أعلم بأي ذراع هي {فاسْلُكوهُ} أي أدخلوه، والظاهر أنهم يدخلونه في السلسلة ولطولها تلتوي عليه من جميع جهاته فيبقى داخلاً فيها مضغوطًا حتى تعمه،وقيل: تدخل في فيه وتخرج من دبره.
أخرج الترمذي في جامعه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن رُضَاضةً مثل هذه، وأشار إلى مثل الجُمجمة، أرسلت من السماء إلى الأرض وهي مسيرة خمسمائة سنة لبلغت الأرض قبل الليل، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفًا الليل والنهار قبل أن تبلغ أصلها أو قعرها".
قال الترمذي: إسناده حسن.

ثم ذكر الله تعالى سبب عذاب الكافر فقال:

{إنَّهُ كانَ لا يُؤمِنُ باللهِ العظيمِ} أي لا يؤمن ولا يصدق بالله الذي أمر عباده بالإيمان به وترك عبادة الأوثان والأصنام، فمن ترك أعظم حقوق الله تعالى على عباده وهو توحيده تعالى وأن لا يشرك به شيء استحق العذاب الأبدي السرمدي الذي لا ينقطع في الآخرة لأن الإشراك بالله هو أكبر ذنب يقترفه العبد وهو الذنب الذي لا يغفره الله لمن مات عليه ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء كما قال الله تعالى في القرءان الكريم: {إنَّ اللهَ لا يغفرُ أن يُشرَكَ بهِ ويغفرُ ما دونَ ذلكَ لِمن يشاءُ} [سورة النساء]، و{العظيمِ} أي عظيم الشأن منزه عن صفات الأجسام فالله تعالى أعظم قدرًا من كل عظيم.

{ولا يَحُضُّ} أي هذا الشقي الذي أوتي كتابه بشماله كان في الدنيا لا يحث ولا يحرض نفسه ولا غيرها {على طعامِ} أي إطعام {المسكين} وفي هذه الآية دليل على تعظيم الجرم في حرمان المساكين.

قال العلماء: دلت الآية على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة على معنى أنهم يعاقبون على ترك الصلاة والزكاة ونحو ذلك وعدم الانتهاء من الفواحش والمنكرات لا على معنى أنهم يطالبون بأداء العبادات حال كفرهم لأن العبادة لا تصح من كافر.

{فليسَ لهُ اليومَ} أي ليس له يوم القيامة {هَهُنا حميمٌ} أي قريب يدفع عنه عذاب الله تعالى ولا من يشفع له ويغيثه مما هو فيه من البلاء.

{ولا طعامٌ} أي ليس له طعام ينتفع به {إلا مِن غِسلينَ} وهو ما يسيل من أبدان الكفار من الدم والصديد وهو الدم المختلط بماء من الجرح ونحوه، وقيل الغسلين شجر يأكله أهل النار {لا يأكلُهُ إلا الخاطِئونَ} أي الكافرون.

والله تعالى اعلم واحكم

سوزان سوزان


عضو ذهبى
عضو ذهبى

{فلا أُقْسِمُ بِما تُبصِرونَ* وما لا تُبصِرون} أي أقسم بما ترونه وما لا ترونه، وقيل: أقسم بالدنيا والآخرة، وقيل: "لا" رد لكلام المشركين كأنه قال: ليس الأمر كما يقول المشركون ثم قال تعالى: {أقسمُ} وقيل: "لا" هنا نافية للقسم على معنى أنه لا يُحتاج إليه لوضوح الحق فيه كأنه قال: لا أقسم على أن القرءان قول رسول كريم فكأنه لوضوحه استغنى عن القسم.
{إنَّهُ} يعني هذا القرءان {لَقَولُ رسولٍ كريمٍ} وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: جبريل، وليس القرءان من تأليف الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما هو وحيٌ أوحاه الله إليه.

فائدة: قال أهل الحق: كلام الله تعالى الذي هو صفة ذاته أزلي أبدي لا يشبه كلام خلقه، فليس هو بحرف ولا صوت ولا لغة، واللفظ المنزل على سيدنا محمد باللغة العربية هو عبارة عن هذا الكلام الذاتي والآية تدل على ذلك، فلو كان اللفظ المنزل على سيدنا محمد هو عين كلام الله تعالى لما قال ربنا تعالى: {إنَّهُ لقولُ رسولٍ كريمٍ}.
{وما هُوَ} يعني هذا القرءان {بقولِ شاعرٍ} كما تدعون ولا هو من ضروب الشعر ولا تركيبه، فقد نفى الله تعالى أن يكون القرءان قول رجل شاعر، والشاعر هو الذي يأتي بكلام مقفى موزون بقصد الوزن {قليلاً ما تُؤمنون} قال أبو حيان : "أي تؤمنون إيمانًا قليلاً أو زمانًا قليلاً، وكذا التقدير في {قليلاً ما تذَكَّرون} والقلة هو إقرارهم إذا سئلوا مَن خلقهم قالوا الله" ا.هـ، وقيل: أراد بالقليل عدم إيمانهم أصلاً والمعنى أنكم لا تصدقون بأن القرءان من عند الله تعالى.

{ولا} أي وليس القرءان {بقولِ كاهِنٍ قليلاً ما تَذَكَّرونَ} أي ليس بقول رجل كاهن كما تدعون ولا هو من جنس الكهانة لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم ليس بكاهن، فالكاهن من تأتيه الشياطين ويلقون إليه ما يسمعون من أخبار الملائكة سكان السموات فيخبر الناس بما سمعه منهم، وطريقه عليه الصلاة والسلام منافية لطريق الكاهن من حيث إن ما يتلوه من الكلام مشتمل على ذم الشياطين وشتمهم فكيف يمكن أن يكون ذلك بإلقاء الشياطين إليه فإنهم لا يُلقون فيه ذمهم وشتمهم لا سيما على من يلعنهم ويطعن فيهم، وكذا معاني ما بلّغه عليه الصلاة والسلام منافية لمعاني أقوال الكهنة فإنهم لا يدعون إلى تهذيب الاخلاق وتصحيح العقائد والأعمال المتعلقة بالمبدإ والمعاد بخلاف معاني أقواله عليه الصلاة والسلام.
{تَنزيلٌ} أي هو تنزيل يعني القرءان {من ربِّ العالمين} وذلك أنه لما قال: {إنَّهُ لقولُ رسولٍ كريمٍ} أتبعه بقوله {تنزيلٌ من ربِّ العالمين} ليزول هذا الإشكال حتى لا يُظن أن هذا تركيب جبريل بل إن القرءان نزل به جبريل عليه السلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
{ولوْ تَقَوَّلَ بعضَ الأوقاويلِ} أي الباطلة، والأقاويل جمع الجمع وهو أقوال، وأقوال جمع قول، وسميت الأقوال المتقولة أقاويل تصغيرًا لها وتحقيرًا. وقال أبو حيان

{لأخَذْنا مِنهُ باليمين} أي لأخذنا بيده التي هي اليمين على جهة الإذلال والصّغار كما يقول السلطان إذا أراد عقوبة رجل: يا غلام خذ بيده وافعل كذا، وقيل: لَنِلنا منه عقابه بقوة منا، وقيل: لنَزَعنا منه قوته.
{ثُمَّ لقَطَعنا منهُ الوتين} قال البخاري: "وقال ابن عباس: الوتين نِيَاط القلب"، وهو عرق يتعلق به القلب يجري في الظهر حتى يتصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه، والمعنى لو تقوّل علينا لأذهبنا حياته معجلاً.
{فما مِنكُم من أحدٍ عنهُ لَحاجزينَ} أي أنه لا يتكلف الكذب لاجلكم مع علمه أنه لو تكلف ذلك لعاقبناه ثم لم يقدر على دفع عقوبتنا عنه أحد،

{وإنَّهُ} يعني القرءان {لَتَذكِرةٌ} يعني عظة {للمُتَّقينَ} وهم الذين يتقون عقاب الله بأداء فرائضه واجتناب معاصيه.
{وإنَّا لنعلمُ أنَّ مِنكُم} أيها الناس {مُكَذِّبينَ} بالقرءان، وهذا وعيد لمن كذب بالقرءان. وفي الآية دليل على أن الله علم ما كان وما يكون وما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون.
{وإنَّهُ} أي القرءان {لحَسرةٌ} أي ندامة {على الكافرينَ} أي يوم القيامة، والمعنى أنهم يندمون على ترك الإيمان به لما يرون من ثواب من ءامن به.
{وإنَّهُ} أي القرءان {لحقُّ اليقينِ} لا شك فيه أنه من عند الله ليس من تأليف محمد ولا جبريل عليهما السلام وفيه الحق والهدى والنور.
{فسَبِّحْ باسمِ ربِّكَ العظيمِ} أي نزّه الله عن النقائص والسوء وكل ما لا يليق به سبحانه.

والله تعالى اعلم واحكم

سوزان سوزان


عضو ذهبى
عضو ذهبى

سورة المعارج
مكية بالإجماع، وهي أربع وأربعون ءاية


بسم الله الرحمن الرحيم

{سألَ سائِلٌ بِعذابٍ واقعٍ} أي سأل سائل من الكفار عن عذاب الله بمن هو واقع؟ ومتى يكون؟ فقال الله تعالى مجيبًا لذلك السؤال:

{للكافرينَ} أي على الكافرين، وقيل معنى الآية: دعا داع وطلب طالب عذابًا واقعًا للكافرين، وأخرج النسائي وغيره عن ابن عباس رضي الله عنه: {سأل سائلٌ} قال: "هو النضر بن الحارث، قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء"، فنزلت الآية، وقد قتل يوم بدر.

{ليسَ لهُ دافعٌ} أي أن العذاب واقع بهم لا محالة سواء طلبوه أو لم يطلبوه إما في الدنيا بالقتل وإما في الآخرة لأن العذاب واقع بهم في الآخرة لا يدفعه عنهم دافع.

وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال: نزلت {سألَ سائلٌ بعذابٍ واقع} فقال الناس: على من يقع العذاب؟ فأنزل الله: {للكافرينَ ليسَ لهُ دافعٌ}.
{مِنَ اللهِ} أي بعذاب من الله، والمعنى ليس لذلك العذاب الصادر من الله للكافرين دافع يدفعه عنهم {ذي المعارِجِ} أي مصاعد الملائكة وهي السموات تعرج فيها الملائكة من سماء إلى سماء، وقيل ذي الفواضل والنعم.

{تَعْرِجُ} أي تصعد {الملائكةُ والرُّوحُ} هو جبريل عليه السلام، وإنما أخر بالذكر وإن كان من جملة الملائكة لشرفه وفضل منزلته {إليهِ} أي إلى المكان المشرّف الذي هو محلهم وهو في السماء لأن السماء مهبط الرحمات والبركات، وقيل: إلى عرشه، وليس معناها كما ذهبت المجسمة إلى أن الله تعالى يسكن العرش والعياذ بالله بل الله عز وجل منزه عن المكان والجهة، ولا يستلزم ورود لفظ إلى أن يكون المعنى مكانًا ينتهي وجود الله إليه فإن الله تعالى أخبر عن إبراهيم عليه السلام أنه قال: {إنِّّي ذاهبٌ إلى ربِّي سَيَهْدينِ} أي إلى حيث أمرني ربي وكان ذهابه من العراق إلى الشام ولم يكن رب العزة قطعًا في الشام لما تقرر بالدلائل القاطعة من تنزه الله عن الجهات والأماكن وإنما دل لفظ إلى ربي على شرف المكان المقصود،

{في يومٍ} هو يوم القيامة {كانَ مِقدارُهُ خمسنَ ألفَ سنةٍ} أي من سني الدنيا جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة من وقت البعث إلى أن يفصل بين الخلق، وهذا الطول في حق الكفار دون المؤمنين، وقيل في معنى هذه الآية إن عروج الملائكة من أسفل الأرض إلى العرش في وقت كان مقداره على غيرهم لو صَعِد خمسين ألف سنة.

روى أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا".
وروى أيضًا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ينصب للكافر يوم القيامة مقدار خمسين ألف سنة كما لم يعمل في الدنيا، وإن الكافر ليرى جهنم ويظن أنها مواقعته من مسيرة أربعين سنة".

واعلم أن من طال انتظاره في الدنيا للموت لشدة مقاساته للصبر عن الشهوات فإنه يقصر انتظاره في ذلك اليوم خاصة، فاحرص أن تكون من أولئك المؤمنين، فما دام يبقى لك نفسٌ من عمرك فالأمر إليك والاستعداد بيديك، فاعمل في أيام قصار لأيام طوال تربح ربحًا لا منتهى لسروره، واستحقر عمرك بل عمر الدنيا فإن صبرت عن المعاصي في الدنيا لتخلص من عذاب يوم مقداره خمسون ألف سنة يكن ربحك كثيرًا وتعبك يسيرًا.

{فاصْبِرْ} أي يا محمد {صبرًا جميلاً} أي صبرًا لا جزع فيه ولا شكوى لغير الله، والمعنى: اصبر على أذى هؤلاء المشركين لك ولا يثنيك ما تلقى منهم من المكروه عن تبليغ ما أمرك ربك أن تبلغهم من الرسالة.
{إنَّهُم} أي إن هؤلاء المشركين {يَرَونَهُ} أي يرون العذاب أو يوم القيامة {بعيدًا} أي غير كائن ولا واقع، وإنما أخبر الله عز وجل أنهم يرونه بعيدًا لأنهم كانوا لا يصدقون به وينكرون البعث بعد الممات والثواب والعقاب.

{ونراهُ} هذه النون نون المتكلم المعظم نفسه وهو الله سبحانه وتعالى، والمعنى: ونعلمه {قريبًا} وقوعه أي واقعًا لا محالة، وكل ما هو ءات قريب.

والله تعالى اعلم واحكم

sherif 77

sherif 77
عضو ذهبى
عضو ذهبى


شكرا

سوزان سوزان


عضو ذهبى
عضو ذهبى

الاخ شريف
بارك الله بك

سوزان سوزان


عضو ذهبى
عضو ذهبى

{يومَ تكونُ السماءُ كالمُهلِ} أي كعكر الزيت، وقيل: ما أُذيبَ من الرصاص والنحاس والفضة.
{وتكونُ الجبالُ كالعِهْنِ} أي كالصوف المصبوغ ألوانًا لأن الجبال مختلفة الألوان فإذا بست وطيرت في الجو أشبهت العهن المنفوش إذا طيرته الريح، شبهها في ضعفها ولينها بالصوف،

{ولا يَسْئَلُ حميمٌ حميمًا} أي لا يسأل قريبٌ قريبه عن شأنه لشغله بشأن نفسه لهول ذلك اليوم وشدته كما في قوله تعالى: {يومَ يَفِرُّ المرءُ من أخيهِ* وأمِّهِ وأبيه* وصاحبتِهِ وبنيهِ* لكُلِّ امرئ منهُم يومئذٍ شأنٌ يُغنيهِ}
{يُبصِرونهُم} أي يرونهم فيبصر الرجل أباه وأخاه وقرابته وعشيرته ولا يسأله ولا يكلمه لاشتغالهم بأنفسهم {يَوَدُّ} أي يتمنى {المُجرمُ} أي الكافر {لو يَفتدي من عذابِ يومئذٍ} أي من عذاب يوم القيامة بأعز من كان عليه في الدنيا من أقاربه فلا يقدر.
ثم ذكرهم الله فقال {بِبَنيهِ} أي أولاده {وصاحبتِهِ} أي زوجته {وأخيهِ* وفصيلتِهِ} أي عشيرته {التي تُئويهِ} أي تضمه ويأوي إليها.
{ومَنْ في الأرضِ جميعًا} أي من الناس {ثُمَّ يُنجِيهِ} أي يخلصه ذلك الفداء من عذاب الله، أي ويود الكافر لو فُدي بهم لافتدى. بدأ الله عز وجل بذكر البنين ثم الصاحبة أي الزوجة ثم الأخ إعلامًا منه عباده أن الكافر من عظيم ما ينزل به يومئذ من البلاء لو وجد إلى ذلك سبيلاً بأحب الناس إليه كان في الدنيا وأقربهم إليه نسبًا لفعل.

روى ابن حبان عن عقبة بن عامر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تدنو الشمس من الأرض فيعرق الناس فمن الناس من يبلغ عرقه كعبيه، ومنهم من يبلغ إلى نصف الساق، ومنهم من يبلغ إلى ركبتيه، ومنهم من يبلغ إلى العَجُز، ومنهم من يبلغ إلى الخاصرة، ومنهم من يبلغ عنقه، ومنهم من يبلغ وسط فيْه، وأشار بيده فألجم فاه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير هكذا، ومنهم يغطيه عرقه، وضرب بيده إشارة".
وروى ابن حبان أيضًا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الكافر ليُلجمه العرق يوم القيامة فيقول: أرحني ولو إلى النار".فإذا كان هذا هو حال الكافر الذي ينادي ليدخله الله النار من شدة ما يجد من الألم والكرب من طول ذلك اليوم الذي يقف فيه للحساب فكيف به إذا دخل النار. وأما المؤمن التقي فيظله الله في ظل العرش حيث لا ظلَّ إلى ظله، نسأل الله السلامة في الدنيا والآخرة.

{كلا} ردع للمجرم ونفي لما يودّه من الافتداء، وفي الآية دلالة على أن الافتداء لا ينجيه من عذاب الله، ثم ابتدأ الله عز وجل الخبر عما أعده للكافر يوم القيامة فقال: {إنَّها} أي النار {لظى} أي جهنم، سُميت لظى لأنها تتلظى أي تتلهب على الكافر.{نَزَّاعةٌ للشوى} جمع شواة وهي جلدة الرأس أي تنزع جلدة الرأس،
تَدْعُوا} يعني النار إلى نفسها حقيقة يخلق الله فيها الكلام كما يخلقه في الأعضاء {مَنْ أدبَرَ} في الدنيا عن طاعة الله {وتَوَلَّى} عن الإيمان بالله ورسوله، ودعاؤها أن تقول: إليّ يا مشرك إليّ يا كافر، تدعو الكافرين ثم تلتقطهم كما يلتقط الطير الحب.
{وجَمَعَ} أي جمع المال {فأوعى} أي جعله في وعائه

ومنع منه حق الله تعالى.

والله تعالى اعلم واحكم

سوزان سوزان


عضو ذهبى
عضو ذهبى

{إنَّ الإنسانَ} أريد به الجنس ولذلك استثنى منه بقوله: "إلا المصلين" {خُلِقَ هَلوعًا} الهلع في اللغة: أشد الحرص وأسوأ الجزع وأفحشه، وتفسير الآية ما بعدها وهو قوله تعالى: {إذا مسَّهُ} أي أصابه {الشرُّ جزوعًا} أي أظهر شدة الجزع فلم يصبر.
{وإذا مسَّهُ الخيرُ مَنُوعًا} أي إذا كثُر ماله ونال الغنى فهو منوع لما في يديه بخيل به لا ينفقه في طاعة الله ولا يؤدي حق الله منه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شرّ ما في رجلٍ شحٌّ هالعٌ وجبنٌ خالعٌ" رواه
أبو داود

قال الحافظ الفقيه محمد مرتضى الزبيدي الحنفي رحمه الله تعالى في شرح الإحياء ممزوجًا بالمتن ما نصه :"[والشر ما في الرجل] أي من مساوئ أخلاقه [شح هالع] أي جازع يعني شح يحمل على الحرص على المال والجزع على ذهابه [وجبن خالع] أي شديد كأنه يخلع فؤاده من شدة خوفه من الخلق.

{إلا المُصَلِّينَ} وهم أهل الإيمان بالله، وهذا استثناء ولذلك وصفهم بما وصفهم به من الصبر على المكاره والصفات الجميلة والمعنى: إلا الذين يطيعون الله بأداء ما افترض عليهم من الصلاة.
{الذينَ هُم على صلاتِهِم} أي الصلاة المفروضة التي فرضها الله على عباده {دائمونَ} أي مواظبون عليها في أوقاتها لا يتركونها.
{والذينَ في أموالهِم حقٌّ معلومٌ} يعني الزكاة المفروضة.
{للسائِلِ} المحتاج الذي يسأل الناس لفاقته {والمحرومِ} أي المتعفف الذي لا يسأل الناس شيئًا ولا يُعلم الناس بحاجته،

{والذينَ يُصدِّقونَ} أي يؤمنون ويعتقدون اعتقادًا جازمًا {بيومِ الدينِ} وهو يوم القيامة أي يصدقون بالبعث والحشر والجزاء والحساب.
{والذينَ هُم من عذابِ ربِّهم مُّشفِقونَ} أي والذين هم في الدنيا من عذاب ربهم خائفون أن يعذبهم الله في الآخرة، فهم من خشية ذلك لا يضيعون له فرضًا ولا يتعدون له أحدًا.
{إنَّ عذابَ ربهم غيرُ مأمونٍ} أي لا ينبغي لأحد أن يأمنه بل يكون بين الخوف والرجاء يخاف عذاب ربه ويرجو رحمته.
{والذينَ هُم لِفُروجهم حافظون} أي يحفظونها عن المحرمات كالزنى ونحوه.
روى البخاري في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من يَضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة".

{إلا على أزواجهم} أي إلا من نسائهم اللواتي أحل الله لهم {أو ما ملَكَتْ أيْمانُهُمْ} يعني الإماء المملوكات {فإنَّهُم غيرُ مَلومينَ} يعني بعدم حفظ فرجه من امرأته وأمته اللتين أحل الله له الاستمتاع بهن بالجماع وغيره فإنه لا يلام على ذلك.
والله تعالى اعلم واحكم

سوزان سوزان


عضو ذهبى
عضو ذهبى

فَمَنِ ابتغى وراءَ ذلكَ} أي من التمس وطلب منكحًا سوى زوجته أو ملك يمينه وهي الأمة المملوكة {فأولئكَ هُمُ العادونَ} أي الظالمون المجاوزون الحد من الحلال إلى الحرام.
{والذينَ هُمْ لأمانتِهم} أي لأمانات الله التي ائتمنهم عليها من قول وفعل واعتقاد فيدخل في ذلك جميع الواجبات فيجب الوفاء بجميعها، وأمانات عباده التي ائتمنوا عليها بالقيام عليها لحفظها إلى أن تؤدى {وعَهْدِهِمْ} أي عهود الله لما عاهدوا عليه غيرهم {راعونَ} أي حافظون، يحفظونه فلا يضيعونه ولكنهم يؤدونها ويتعاهدونها على ما ألزمهم الله وأوجب عليهم حفظها.

{والذينَ هُم بِشَهاداتِهِم قائِمونَ} أي لا يكتمون ما استشهدوا عليه ولكنهم يقومون بأدائها غير مغيَّرة ولا مبدلة، وهذه الشهادة من جملة الأمانات إلا أنه خصها بالذكر لفضلها لأن بها تحيا الحقوق وتظهر في تركها وتضيع.


{والذينَ هُم على صلاتِهِم يُحافِظون} أي يؤدون الصلوات الخمس المفروضة في وقتها مع الإتيان بشروطها وأركانها.
{أولئكَ} يعني من هذا صفته {في جنَّاتٍ مُكرمون} أي يكرمهم الله بكرامته.
{فمالِ الذينَ كفروا} أي فما بال الذين كفروا {قِبَلَكَ} أي نحوك يا محمد {مُهْطِعينَ} أي مسرعين في التكذيب لك،


عَنِ اليمينِ وعنِ الشِّمالِ} أي عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم وعن شماله {عِزينَ} متفرقين حلقًا ومجالس جماعة جماعة معرضين عنك وعن كتاب الله.
{أيَطمعُ كلُّ امرئٍ منهُم أن يُدْخَلَ جَنَّةَ نعيمٍ} أي أيطمع كل رجل من هؤلاء الذين كفروا أن يدخل الجنة كما يدخلها المسلمون ويتنعم فيها.
{كلا} رد وردع لطماعيتهم والمعنى لا يدخلون الجنة {إنَّا خلقناهُم ممَّا يَعلمونَ} أي أنهم يعلمون أنهم مخلوقون من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة كما خلق سائر جنسهم، فليس لهم فضل يستوجبون به الجنو وإنما تُستوجب بالإيمان والعمل الصالح ورحمة الله تعالى.

{فلا أقسمُ} أي أقسم {بربِّ المشارِقِ} أي مطالع الشمس {والمغاربِ} أي مغاربها والمراد بالمشارق والمغارب: شرقُ كل يوم ومغربه {إنَّا لَقادرونَ* على أن نُّبَدِّلَ خيرًا منهم} أي إنا لقادرون على إهلاكهم وعلى أن نخلق أمثل منهم وأطوع لله {وما نحنُ بِمَسبوقين} أي بمغلوبين عاجزين عن إهلاكهم وإبدالهم بمن هو خير منهم، فلا يفوتنا شيء ولا يعجزنا أمر نريده.

{فَذَرهُم} أي دع المكذبين واتركهم وهذا اللفظ أمر معناه الوعيد {يخوضوا} في باطلهم {ويلعبوا} أي يلهوا في دنياهم، {حتى يُلاقوا يومَهُم الذي يُوعدونَ} أي حتى يلاقوا عذاب يوم القيامة الذي يوعدونه.
قال ابن الجوزي: "زعم بعض المفسرين أنها منسوخة بآية السيف، وإذا قلنا إنه وعيد بلقاء القيامة فلا وجه للنسخ" ا.هـ.

{يومَ يَخرجونَ مِنَ الأجداثِ} أي القبور {سِراعًا} أي مسرعين حين يسمعون الصيحة الآخرة إلى إجابة الداعي، والمعنى: يخرجون من القبور مسرعين إلى المحشر {كأنَّهُم إلى نُصُبٍ} أي الأصنام التي كانوا يعبدونها {يُوفِضُون} أي يسرعون، ومعنى الآية: أنهم يخرجون من الأجداث وهي القبور مسرعين إلى الداعي مستبقين إليه كما كانوا يستبقون إلى نصبهم ليستلموها، والأنصاب هي التي كان أهل الجاهلية يعبدوها ويأتونها ويعظمونها.


{خاشعةً أبصارُهُم} أي ذليلة خاضعة لا يرفعونها لما يتوقعونه من عذاب الله {تَرهقُهُم ذِلَّةٌ} أي يغشاهم الهوان {ذلكَ اليومُ} وهو يوم القيامة {الذي كانوا يُوعَدونَ} به في الدنيا أن لهم فيه العذاب.


والله تعالى اعلم واحكم

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

مواضيع مماثلة

-

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى